الخدمة الصحية غير الرسمية في المجتمعات النامية (عوامــل استمرارهــا و انتشارهــا) -دراسة ميدانية في مدينة بسكرة

Abstract

لم تكن ظاهرة الخدمة الصحية غير الرسمية، تعرف بهذا المصطلح الجامع لكل أصنافها، بل كانت تعرف في إطار "السحر وأنواعه، والعلاج بالأعشاب الطبية والحيوانات وبعض المواد الطبيعية الأخرى، كذلك بعض عمليات الجراحة التقليدية والطب النبوي الذي كان يمارسه مختلف الأنبياء المرسلين خاصة '' سيدنا عيسى محمد عليهما الصلاة والسلام"، وكانت تمثل هذه العلاجات في تلك العصور، العلاجات الأساسية لأولئك الأفراد. لكن مع التطور الذي عرفه الإنسان خلال مختلف العصور، والتغيير الذي طرأ على عالم الطب في ظل التكنولوجيا والكيمياء وصولا إلى الطب والصحة إلى عالم "البيولوجيا" جعل من تلك الممارسات العلاجية السابقة "السحرية والطبيعية والدينية" طابعا غير رسمي لها، حتى ون كانت البعض منها سببا في التقدم الذي أحرزه الطب الحديث. و على الرغم من ذلك فلا تزال تمثل أهم العلاجات إلى جانب الخدمة الصحية الرسمية في مختلف أنحاء العالم خاصة "مجتمعات آسيا وإفريقيا" على اختلاف أديانها وثقافاتها حسب ما أصدرته الكتابات والدراسات الأنثربولوجية والاجتماعية المختلفة. فمثلا الجزائر لا تزال تعرف مثل هذه الممارسات العلاجية، سحرية كانت أو طبيعية أو دينية، وبطرق متشابهة لم يحدث عليها الكثير من التغيير، هذه الممارسات العلاجية غير الرسمية التي تقوم بتقديم مختلف الخدمات التي تخص مختلف الأمراض "النفسية والعصبية والاجتماعية والجسنية وحتى الروحية". و من بين المدن الجزائرية التي يشيع فيها هذه الأنماط من الخدمة الصحية غير الرسمية "مدينة بسكرة" التي عرفت زيادة وانتشارا واسعا لمختلف هذه الممارسات العلاجية غير الرسمية، خاصة في هذه السنوات الأخيرة بالذات. فأصبحنا نسمع فترة بعد فترة عن اسم أو عنوان راقي شرعي مشهور في طرد الجن من الإنس، أو علاج أمراض مستعصية، كذلك الأمر بالنسبة للطالب الساحر أو "المرابطة" التي تقوم أو يقوم بعلاج أمراض ومشاكل صحية معينة . نفس الشئ عن العشابين المتجولين في الأسواق، حيث يقومون بأساليب الدعاية التقليدية لجلب المتفرجين أوالمرضى …و هكذا . فلا يكاد بين مساكن هذه المدينة أو شخص منها لا يعرف عن هذه العلاجات أو لم يستخدم على الأقل واحد منها. حتى أنها أصبحت مجالات لنقاش المرضى والزائرين في العيادات الصحية والمستشفيات عن أهمية العلاج بواسطتها. فظاهرة اجتماعية مثل هذه التي تسارع انتشارها واستفحالها في هذه السنوات، تجعل أي باحث منا يتحمس للغوص في داخلها والتعرف عن لماذا؟ أو ما هي العوامل التي تشجع استمرار انتشارها في هذه المجتمعات "المجتمعات النامية" بالذات وفي هذه السنوات بالذات، رغم التغيير الحاصل. و لعل الشئ الأهم لمعرفة هذه العوامل، هو فهم الظاهرة كما هي في الواقع ، وليس كما كتب أو درس عنها من طرف دارسين أجانب أي "ليس ما يقال عن الشئ هو حتما ذلك الشئ". خاصة أن جملة الدراسات حول نفس هذا الموضوع نادرة نوعا ما في الجزائر بصفة عامة وفي بسكرة بصفة خاصة.