المدينة والاستدامة: الممارسات في العمران المعاصر

Abstract

تهدف الاستدامة إلى تحسين رفاهية الإنسان على المدى الطويل من خلال تحقيق التوازن بين الأبعاد الثلاثة للاستدامة: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والتقليل من استهلاك الموارد، ومن الضرر البيئي، وزيادة كفاءة استخدام الموارد، وضمان العدالة، والتقليل من استهلاك الاراضي والموارد الطبيعية، وترشيد وإدارة كفاءة التدفقات الحضرية، والحفاظ على التنوع الثقافي والاجتماعي. وتسعى المدن المستدامة لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة وبناء مدن ايكولوجية منخفضة الكربون، وتحسين نوعية الحياة في البيئات العمرانية بالاهتمام بقضايا التنمية الصديقة للبيئة مع تنمية منخفضة التأثير والقدرة على التكيف مع التغير المناخي والحد من انبعاثات الكربون وتعزيز الأداء والجودة والتشجيع على الابتكار والإدارة الذكية. لكن بعد 40 سنة من الدراسات والمؤتمرات والنقاشات والبحوث والاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف والالتزامات، نجد أن حالة البيئة تتدهور عالمياً: فالتلوث يزداد سوءاً وخاصة في البلدان النامية والفقيرة، والانبعاثات الغازية تجاوزت الحدود المسموح بها، وظهر التغير المناخي، وتضخم الاستهلاك غير العقلاني مع توليد نفايات لم تستطع دول العالم تدويرها، وأصبحت المياه أكثر ندرة، وضعفت سياسة الطاقة المتجددة، إضافة الى أن تكاليف التغير المناخي في ارتفاع مطرد. ومع غياب العدالة المناخية والبيئية وبين وداخل الأجيال مع ازدياد الفقر، وعدم مصادقة الدول الكبرى على الاتفاقات للحد من الانبعاثات، فكل هذه الممارسات بالطبع لن تؤدي للاستدامة. ورغم توفر الحلول التقنية الا أن تضارب المصالح والصراعات السياسية والاقتصادية الدولية، إضافة إلى الغموض والتناقضات في مفاهيم الاستدامة المختلفة، وقفت وتقف عائقا امام اتخاذ الخطوات لتحقيق أهداف الاستدامة. ورغم التزام الجزائر بأهداف الاستدامة ومصادقتها على كل الاتفاقيات وتعهدها بتنفيذ الاستدامة، ورغم إصدارها للعديد من القوانين وانشاء مؤسسات لتحقيق اهدافها، لكن، ونظرا لغياب استراتيجية وطنية واضحة الأهداف للاستدامة يمكن من خلالها جمع هذه السياسات القطاعية لخدمة اهداف وطنية واضحة في مجالات الاستدامة، فأنها لم تحرز أي تقدم في تحقيق اهداف الاستدامة بمختلف أبعادها العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فهذا البحث يحاول التعرف على الأسباب التي أدت الى عدم إحراز تقدم في تحقيق أهداف الاستدامة من خلال دراسة وتحليل سياسات ومفاهيم الاستدامة والمدينة المستدامة وتقييم واقع الاستدامة العالمية بمختلف أبعادها وسياساتها، إضافة الى تحليل وتقييم سياسات الاستدامة العمرانية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية للجزائر باستخدام مؤشرات الاستدامة وأنظمة تقييمها، ليقترح البحث بعض السياسات التي ستساعد على تحقيق اهداف الاستدامة. إن السعي لتحقيق الاستدامة يتطلب تحولات ثورية اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً، وإرادة سياسية جادة لتحقيق توازن عالمي بين الانسان والنظام الايكولوجي، وتحسين نوعية حياة السكان.