التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة

Abstract

إن الجريمة المنظمة وإن كانت أوروبية المنشأ، فمداها اتسع ليشمل باقي أنحاء العالم بفعل بحثها باستمرار عن مناطق توسع و اختراقها للحواجز الإقليمية، مستغلة في ذلك الثغرات القانونية، التطورات التكنولوجية، سهولة تنقل الأشخاص، رؤوس الأموال والشركات. وقد إنتقل خطرها للمجتمعات الإنتقالية والنامية، بعد ان إستباحت لنفسها إرتكاب أنشطة إجرامية عابرة للحدود قصد تحقيق الثراء غير المشروع مستفيدة في ذلك من خصائصها التنظيمية والهيكلية التي ضمنت لها الإستمرارية ومعايشة الظروف المختلفة . وأوجب هذا الإنتشار غير المسبق للجريمة المنظمة وما تولد عنها من أضرار مختلفة تحديد مفهوم الجريمة المنظمة الذي تكرس في إتفاقية باليرمو (2000م) بعد جهود مضنية ومساعي إتخذت على مختلف الأصعدة قصد إيجاد تعاون دولي يعمل على مكافحة الظاهرة والحد من أضرارها، بعد أن عجزت النظم القائمة عن مكافحتها بصفة منفردة وهو ماتطلب إيجاد أساليب تعاونية متعددة الآليات: قانونية، قضائية وأمنية ترمى جميعها تخطي عوائق المكافحة على المستويات المحلية، وقد تطلب تفعيل آليات وسبل المواجهة والإستفادة من نتائج دراسة الجوانب النظرية الناظمة لهيكلة الجماعات الاجرامية ومعرفة أنماطها المعاصرة وتحديد تفرعاتها العالمية ويعد التوجه العالمي للظاهرة التعاونية أمرا فرضه واقع الجريمة المنظمة وقدراتها على ملائمة أنماطها مع مقتضيات ومتطلبات العصر الراهن، غير أن هذا التعاون ظل يعوقه الجمود المتصل بمبادئ تكرست في رسم العلاقات بين الدول أبرزها مبدأ السيادة، و مبادئ القواعد الاجرائية الجزائية التقليدية لا سيما منها مبدأي الاقليمية وقرينة البراءة، فضلا على أن الفساد العالمي أضعف آليات المواجهة والتصدي. والمفترض أن تلم التوجهات العالمية لمكافحة الظاهرة غير المحدودة بجوانب الجريمة المنظمة عن طريق سن التشريعات الملائمة لأجل معاقبة الجناة والحيلولة دون بلوغهم الملاذ الآمن وذلك باتخاذ ما ينبغي من التدابير والاجراءات، فضلا عن تكثيف التعاون وتعزيزه خاصة في مجال رقابة الحدود، والبحث في الاسباب المفرزة لهذا النمط الاجرامي، بغرض خلق تكامل أمني دولي من خلال تبادل المعلومات وإتساع الاحتياجات الأمنية وتسويق الخدمات التدريبية والعلمية، ودعم أنظمة تسليم المجرمين وتعزيز آليات المساعدة القضائية لإنشاء تنظيم قانوني متكامل للتعاون القضائي الدولي في المجال الجنائي وتحديد إجراءات وصور هذا التعاون. غير أن الواقع العملي يكشف على أن هذه الآليات المتعددة غير كفيلة لوحدها بتحقيق الأهداف المرجوة، الأمر الذي يتطلب الإتفاق على سياسة موحدة تشرك هيئات المجتمع المدني وتنشد تحقيق الحد من استفحال الجريمة المنظمة باعتبار أن القضاء عليها نهائيا أمر غير ممكن.